أكثر من مليون عامل أجنبي في العراق يعملون خارج الرقابة والقانون
بغداد – نيوز بلس عراق
لم يعد ملف العمالة الأجنبية في العراق مسألة هامشية كما كان في السابق، إذ كشف تقرير لمركز العراق لحقوق الإنسان عن وجود أكثر من مليون عامل أجنبي داخل البلاد، غالبيتهم من دون تصاريح أو عقود عمل رسمية، ما فتح الباب واسعاً أمام واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وحساسية في المشهد الاقتصادي والاجتماعي العراقي.
وبحسب التقرير، فإن معظم هؤلاء العمال دخلوا البلاد بتأشيرات دينية أو سياحية أو عن طريق مكاتب استقدام غير مرخصة، ليستقروا في قطاعات البناء والمطاعم والخدمات والحراسة والمهن المنزلية، ضمن ما يشبه “اقتصاداً موازياً” يعمل خارج رقابة الدولة ونظامها الضريبي.
رئيس المركز، علي العبادي، أكد أن “العراق يواجه وضعاً مقلقاً، إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليون عامل أجنبي يقيمون ويعملون بشكل غير قانوني، في حين لا يتجاوز عدد المسجلين رسمياً 70 ألفاً فقط”، محذراً من “انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية خطيرة إذا لم تُعالج الظاهرة سريعاً”.
وبيّنت بيانات وزارة العمل أن عدد الحاصلين على تصاريح رسمية لا يتجاوز 43 ألف عامل، فيما تشير تقارير دولية إلى أن تحويلات العمالة الأجنبية من العراق إلى الخارج تبلغ نحو 5 مليارات دولار سنوياً، ما يجعلها من أكبر مصادر خروج العملة الصعبة بعد قطاع النفط.
القانون العراقي رقم (37) لعام 2015 يمنع تشغيل أي عامل أجنبي من دون تصريح رسمي من وزارة العمل، إلا أن ضعف المتابعة وغياب قاعدة بيانات موحدة بين الجهات المعنية جعلا تطبيق القانون انتقائياً. وتعمل الوزارة حالياً على تطبيق قاعدة “80:20” التي تنص على تشغيل أربعة عراقيين مقابل عامل أجنبي واحد، غير أن هذه النسبة لا تُطبق فعلياً في المشاريع الخاصة، بحسب مراقبين.
تقرير منظمة الهجرة الدولية (IOM) أواخر عام 2024 أشار إلى ظروف عمل صعبة يعيشها كثير من العمال الأجانب في العراق، من مساكن مكتظة، واحتجاز جوازات السفر، وغياب العقود القانونية، وساعات عمل تتجاوز 14 ساعة يومياً، محذراً من أن استمرار هذه الممارسات قد يدرج العراق ضمن الدول المقصّرة في مكافحة الاتجار بالبشر.
اقتصادياً، يصف الخبراء الظاهرة بأنها “نزيف مزدوج”، إذ تستنزف سوق العمل المحلية وتحرم الدولة من مليارات الدولارات غير الخاضعة للضرائب، فيما قدّر مركز البيان أن ما بين 7 إلى 10 بالمئة من الناتج المحلي غير النفطي يدور في هذه الحلقة غير الرسمية.
أمنياً، حذر مصدر أمني من أن غياب قاعدة بيانات دقيقة عن العمال الأجانب “يشكل ثغرة يمكن أن تُستغل من قبل شبكات تهريب أو جماعات منظمة”، مشيراً إلى أن بعض العمال دخلوا بتأشيرات دينية أو سياحية ثم اختفوا داخل المدن من دون أي سجل رسمي.
ورغم إطلاق وزارة العمل في مطلع عام 2025 “الحملة الوطنية لتصحيح أوضاع العمالة الأجنبية”، التي شملت عدداً من المحافظات وأسفرت عن ترحيل مئات المخالفين، إلا أن مختصين يؤكدون أن الحل لا يكمن في الترحيل بل في معالجة جذور المشكلة من خلال ضبط مكاتب الاستقدام وتفعيل الرقابة على أرباب العمل.
منظمات دولية بينها منظمة العمل الدولية (ILO) والاتحاد الأوروبي تتابع الملف عن كثب، وتوصي بإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وآلية شكاوى متعددة اللغات، وتدريب المفتشين على معايير الحماية الدولية.
ويرى مراقبون أن استمرار وجود هذا العدد الكبير من العمال الأجانب غير المسجلين يعكس خللاً عميقاً في إدارة سوق العمل، مشيرين إلى أن “الإصلاح الحقيقي يبدأ من سؤال بسيط: هل لدى الدولة خريطة واضحة بمن يعمل على أرضها؟”
 
						