الهجرة العراقية… من خيار فردي إلى أزمة بنيوية تهدد مستقبل الدولة
بغداد – نيوز بلس عراق
لم تعد الهجرة في العراق مجرد حالات فردية متفرقة، بل تحولت إلى ظاهرة هيكلية تكشف فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتعكس هشاشة المؤسسات في مواجهة الأزمات المتراكمة منذ عام 2003. وتشير تقارير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) إلى أن العراق ما يزال ضمن الدول الأعلى في معدلات الهجرة غير النظامية بالمنطقة، خصوصاً بين الشباب الباحثين عن فرصة للحياة خارج الحدود.
ويرى الباحث الاجتماعي فالح القريشي في تصريح لـ نيوز بلس عراق أن استمرار موجات الهجرة “يعكس تراكماً لأزمات البطالة وضعف الخدمات وانعدام الثقة بالاستقرار السياسي”، موضحاً أن معدلات البطالة بين الشباب تتجاوز 25% في بعض المحافظات، ما يجعل الرحيل “خياراً قسرياً لا مغامرة شخصية”.
وتتعمق الأزمة مع هجرة الكفاءات العلمية والأكاديمية، حيث تسجّل التقديرات خسارة العراق سنوياً آلاف الأطباء والمهندسين والأساتذة نحو أوروبا وأمريكا وكندا، في ما يشكّل نزيفاً بشرياً يضعف التنمية ويزيد اعتماد البلاد على الخبرات الأجنبية.
وفي موازاة ذلك، حذّرت النائبة السابقة منار عبد المطلب من تصاعد نشاط ما سمّتها “الشبكات السوداء” التي تتاجر بأحلام الشباب، مؤكدة أن “الكثير منهم يُستدرجون عبر شبكات تهريب، لينتهي بهم الأمر في الصحراء أو في السجون”.
وتكشف تحقيقات ميدانية أن تركيا أصبحت البوابة الرئيسة للهجرة، إذ يسلك المهاجرون طريق البحر من إزمير وبودروم نحو الجزر اليونانية، بينما تبقى ليبيا المسار الأكثر خطورة بتكلفة تهريب تصل إلى 17 ألف دولار للشخص الواحد.
وفي المقابل، يقدّر الباحثون أن الحل لا يمكن أن يكون أمنياً فقط، بل يتطلب رؤية حكومية شاملة لتحسين بيئة العمل وتشجيع العودة الطوعية للعقول المهاجرة، وإدماج سياسات الهجرة في خطط التنمية الوطنية.
تحقيق موسع لشبكة نيريج كشف أن إقليم كردستان شهد منذ عام 2014 هجرة أكثر من 148 ألف شاب وفقدان 414 شخصاً حياتهم غرقاً أو في الصحارى، بمعدل يتراوح بين 300 إلى 400 مهاجر أسبوعياً من مناطق السليمانية ودهوك ورابرين.
تلك الأرقام — وفق متابعين — تؤكد أن الهجرة تحولت من مخرج فردي إلى أزمة وطنية تهدد التوازن الديمغرافي والتنمية المستقبلية، وتفرض على الدولة معالجة جذرية تبدأ من إصلاح الاقتصاد وتنتهي بإعادة الثقة بين المواطن والوطن.