إعلان الاكتفاء من البنزين يسبق التشغيل التجاري الكامل لمشاريع التكرير.. تساؤلات حول دقة الأرقام وشفافية البيانات
نيوز بلس عراق – بغداد
أثار إعلان وزارة النفط العراقية وقف استيراد البنزين في تشرين الأول 2025، بعد ما وصفته بتحقيق الاكتفاء الذاتي، جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية، خصوصاً مع عدم اكتمال التشغيل التجاري الكامل لعدد من المشاريع الرئيسة في قطاع التكرير، وفي مقدمتها وحدة التكسير بالعامل المساعد (FCC) في مصفى البصرة.
وقالت الوزارة إنها حققت الاكتفاء بعد تشغيل مشاريع جديدة ورفع نسبة استثمار الغاز المصاحب إلى 74%، معتبرة أن ذلك يمثل تحولاً استراتيجياً في قطاع الطاقة. إلا أن مراجعة بيانات منشورة من البنك الدولي ومبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية تُظهر أن العراق ما يزال من بين أكثر الدول حرقاً للغاز المصاحب، وأن معظم مشاريع الاستغلال الكامل ما زالت في مراحل متباينة من التنفيذ.
ورغم إعلان الاكتفاء، لم تصدر الوزارة حتى الآن تقارير تفصيلية توضح حجم الإنتاج المحلي من البنزين مقابل نسب الاستهلاك والاستيراد، ما يجعل تقييم الوضع الفعلي صعباً.
ويرى خبراء في شؤون الطاقة أن التحدي لا يتعلق بقدرة العراق على تنفيذ المشاريع، بل في غياب البيانات الدقيقة والمحدثة. ويقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إن “الوزارة مطالَبة بنشر أرقام تفصيلية يمكن التحقق منها، لأن البيانات العامة لا تعكس الأداء الفني بدقة، خاصة أن بعض المشاريع ما تزال في مراحل الإنشاء أو التشغيل الجزئي”.
وبحسب بيانات البنك الدولي، لا يزال العراق يحتل موقعاً بين أكبر خمس دول في العالم بحرق الغاز، بعد روسيا وإيران والولايات المتحدة ونيجيريا، بكمية تُقدّر بأكثر من 18 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يثير تساؤلات حول دقة نسب الاستثمار المعلنة.
أما على صعيد التكرير، فتشير المتابعات الفنية إلى أن وحدة التكسير بالعامل المساعد (FCC) في مصفى البصرة لم تدخل بعد مرحلة التشغيل التجاري المستقر، رغم أن طاقتها التصميمية تبلغ 55 ألف برميل يومياً من النفط الأسود. ويرى مختصون أن إعلان الاكتفاء الذاتي قبل اكتمال دورة التشغيل الكامل يمثل خطوة سياسية أكثر منها فنية، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات وسعي الحكومة إلى إبراز إنجازات اقتصادية أمام الرأي العام.
كما لم تُصدر وزارة النفط حتى الآن بيانات تبين معدلات الاستهلاك اليومية أو الإنتاج الفعلي من البنزين في المصافي العاملة. وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن العراق كان يستورد خلال عام 2024 ما بين 20 و25 ألف متر مكعب يومياً من البنزين، بتكلفة سنوية تجاوزت 5 مليارات دولار.
وفي ما يخص الغاز المصاحب، تؤكد الوزارة أنها استثمرت 74% منه وتعمل على إنهاء الحرق بحلول عام 2029، لكن خبراء يشيرون إلى أن جزءاً كبيراً من هذا الاستثمار يعتمد على مشاريع لم تدخل بعد مرحلة الإنتاج التجاري، منها مشروع توتال إنرجيز الفرنسية في البصرة، إضافة إلى مشاريع أخرى في ميسان وذي قار ما تزال قيد الإنشاء.
ويحذر مختصون من أن غياب نشر تقارير شهرية رسمية تبين كميات الغاز المنتجة والمستثمرة والمحروقة في كل حقل، يفتح الباب أمام اختلاف التقديرات ويضعف ثقة المستثمرين في استقرار قطاع الطاقة العراقي.
ويرى مراقبون أن الشفافية النفطية لم تعد مطلباً فنياً فحسب، بل ضرورة اقتصادية لتعزيز الثقة مع المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين. فكلما كانت الأرقام أوضح وأكثر دقة، ازدادت قدرة العراق على جذب الاستثمارات وتوسيع الشراكات الصناعية، خصوصاً في ظل التنافس الإقليمي المتصاعد على أسواق الطاقة.
وتخلص المتابعات إلى أن العراق حقق بالفعل تقدماً نسبياً في مشاريع التكرير واستثمار الغاز، إلا أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الاكتفاء الكامل أو السيطرة الكاملة على الحرق. وبينما تمثل المشاريع الجديدة خطوة في الاتجاه الصحيح، يبقى غياب البيانات التفصيلية والشفافية المنتظمة العقبة الأبرز أمام تقييم الأداء الحقيقي لقطاع الطاقة العراقي.