مغيبون أم مغدورون؟ الأمم المتحدة تمهل العراق حتى آذار 2026 لكشف مصير المفقودين
بغداد – News Plus Iraq
يدخل العراق عام 2026 مثقلاً بأحد أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في تاريخه الحديث، بعد مرور عقد على انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش، فيما لا يزال مصير آلاف المواطنين مجهولاً بين “مفقودين” و”مغيبين” لا أثر لهم في السجلات الرسمية ولا إشارة لوجودهم في المحاكم.
الملف الذي طال أمده تحوّل من قضية إنسانية إلى اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة بالقانون الدولي، مع اقتراب موعد المراجعة الأممية الحاسمة في آذار المقبل أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري (CED).
أرقام صادمة وغياب للعدالة
تقدّر منظمات دولية عدة، بينها اللجنة الدولية للمفقودين (ICMP)، أن عدد المفقودين في العراق عبر العقود قد يتراوح بين 250 ألفاً وأكثر من مليون شخص، وهي حصيلة تمتد من حروب الثمانينيات إلى ما بعد 2014.
وتحتفظ اللجنة الدولية للصليب الأحمر بنحو 28,892 ملفاً مفتوحاً لأشخاص لم يُعرف مصيرهم بعد، فيما وثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان أكثر من 11 ألف بلاغ رسمي خلال السنوات الخمس الماضية.
هذه الأرقام، رغم تباينها، تعكس فجوة هائلة بين حجم الكارثة وضعف الإجراءات الوطنية في البحث والتحقيق والمساءلة.
الصقلاوية.. ملف مفتوح منذ 2016
من بين جميع القضايا، تبرز حادثة الصقلاوية في محافظة الأنبار كأكثر الملفات توثيقاً ووضوحاً. ففي حزيران 2016، اختفى 643 رجلاً وفتى بعد احتجازهم عند نقاط تفتيش تابعة لفصائل من الحشد الشعبي أثناء عمليات استعادة الفلوجة.
منظمة العفو الدولية وثّقت الواقعة منذ عام 2017، وطالبت بغداد مراراً بكشف مصيرهم، لكن التحقيقات لم تصل إلى نتيجة حتى اليوم.
تصريحات مثيرة للجدل
الملف اتخذ بعداً سياسياً لافتاً بعد تصريحات رسمية وصفت بأنها “غير مسبوقة”.
ففي كانون الأول 2022، قال رئيس البرلمان الأسبق محمد الحلبوسي إن هؤلاء “ليسوا مغيبين بل مغدورون”، داعياً إلى شمول ذويهم بقانون ضحايا الإرهاب.
وفي كانون الثاني 2025، كشف نائب رئيس الوزراء الأسبق صالح المطلك أن رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي قال له خلال مناقشة الملف: “فتشوا عنهم في نهر دجلة”.
هذا التصريح أثار صدمة وغضباً واسعاً، ودفع سياسيين وناشطين للمطالبة بفتح تحقيق قضائي شفاف ومستقل.
مناطق الغياب والتهم المعلقة
تنتشر بلاغات الاختفاء في مناطق عدة مثل الرضوانية، الرازازة، سامراء، الطوز، آمرلي، وجرف النصر (جرف الصخر سابقاً)، حيث تشير تقارير حقوقية إلى أن معظم حالات الاختفاء تزامنت مع العمليات العسكرية ضد داعش، وشملت اعتقالات ميدانية عند نقاط التفتيش.
وفي جرف النصر تحديداً، لا يزال السكان ممنوعين من العودة منذ عام 2014 بحجة “الاعتبارات الأمنية”، وسط تقارير عن وجود مواقع احتجاز مغلقة تنفيها الحكومة دون تقديم أدلة.
المراجعة الأممية الحاسمة
تواجه الحكومة العراقية الآن ضغطاً دولياً متصاعداً، إذ حددت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري موعداً بين 9 و27 آذار 2026 لعقد جلسة علنية في جنيف لمراجعة مدى التزام العراق بالاتفاقية الدولية التي صادق عليها عام 2010.
وتطالب اللجنة بغداد باتخاذ إجراءات ملموسة قبل الموعد، منها تجريم الاختفاء القسري في القانون الوطني، وإنشاء آلية مركزية مستقلة للبحث عن المفقودين، وضمان شفافية سجلات الاحتجاز، وحفظ الأدلة الجنائية.
“الفرصة الأخيرة”
في تقرير موازٍ قدّمه مركز جنيف الدولي للعدالة (GICJ)، اعتبر أن العراق “يتعامل مع ملف الاختفاء القسري كامتداد للاعتقال التعسفي”، مشيراً إلى أن غياب التشريع الوطني وضعف التنسيق المؤسسي كرّسا ثقافة الإفلات من العقاب.
ودعا المركز إلى إقرار قانون خاص بالاختفاء القسري، وربط هيئة البحث بالسلطة القضائية مباشرة، مؤكداً أن مهلة آذار 2026 تمثل “فرصة أخيرة” للعراق قبل إدراجه ضمن الدول التي تتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها الدولية.
العدالة المؤجلة
وبينما تترقب آلاف العائلات أي بصيص أمل في معرفة مصير أبنائها، يقف العراق أمام مفترق طرق حاسم:
إما أن تكون جلسة جنيف المقبلة بداية مسار عدالة حقيقي، أو تتحول إلى جلسة مساءلة دولية علنية عن سنوات من الصمت والإنكار.