العشيرة في العراق… بين الولاء الاجتماعي والرهان الانتخابي
بغداد – News Plus Iraq
رغم التحولات السياسية وتبدّل الأنظمة في العراق، ما تزال العشيرة تمثل إحدى الركائز الأكثر تأثيراً في تشكيل المشهد الانتخابي، حيث تتحول من إطار اجتماعي تقليدي إلى قوة سياسية ضاغطة توجه الأصوات وتحدد مصير المرشحين.
في المدن كما في الأرياف، تستعيد الخيمة العشائرية دورها كمركز تعبئة انتخابية، إذ تتقدم الروابط العائلية والانتماءات القبلية على الانتماء الحزبي أو الوطني، ليصبح دعم العشيرة للمرشح بمثابة الضمانة الأولى لدخوله البرلمان.
ويرى المراقبون أن هذا الواقع، وإن عزز التواصل الاجتماعي، أضعف فكرة الدولة المدنية، ورسّخ الانقسام المذهبي والمناطقي على حساب البرامج الوطنية.
الأحزاب تُحوِّل العشائر إلى ساحة صراع
يحذّر الشيخ حميد الشوكة، المتحدث باسم مجلس أمناء الأنبار، من تزايد استغلال الأحزاب للعشائر خلال المواسم الانتخابية، قائلاً إن “الأموال السياسية التي تُنفق لاستمالة العشائر أوجدت انقسامات داخل العائلة الواحدة، وحولت الولاء من الفكرة إلى الشخص”.
ويضيف أن بعض رؤساء العشائر يُجبرون أبناءهم على التصويت لمرشحين مدعومين سياسياً، ما يجعل الانتخابات أقرب إلى “سباق نفوذ” منها إلى منافسة ديمقراطية.
البنية العشائرية تحكم صناديق الاقتراع
يقول الأكاديمي والباحث السياسي غالب الدعمي إن التصويت في العراق ما زال محكوماً بـ”الانتماءات العشائرية والطائفية والقومية”، مضيفاً أن البرلمان غالباً ما يخرج ضعيفاً أمام الحكومة، “لأن الولاءات الضيقة تُضعف الموقف الوطني وتُشتت القرار التشريعي”.
ويرى الدعمي أن هذا الانقسام يجعل البرلمان عاجزاً عن ممارسة رقابته بفاعلية، فيما تبقى الحكومة الطرف الأقوى في معادلة الحكم.
عندما تكون العشيرة قوة إيجابية
من جانبه، يعتبر الشيخ شياع محمد البهادلي أن دعم العشيرة لمرشحيها “ظاهرة إيجابية إذا كان لصالح الكفاءات والنزيهين”، محذراً من أن دعم غير المؤهلين “يُشوّه الأعراف العشائرية والدينية” ويحول المشاركة إلى سباق مصالح شخصية.
ويؤكد أن “العشيرة التي تدعم الصالحين ترفع من مستوى العمل النيابي والوطني”.
وعي الناخب هو التحدي الأكبر
في المقابل، يرى المحلل السياسي صباح العكيلي أن الرهان الحقيقي في الانتخابات المقبلة هو على وعي الناخب لا على الولاءات، مشدداً على أن “بعض زعماء العشائر باتوا يتعاملون مع أصوات ناخبيهم كأنها ملكية خاصة”، وهو ما “يفرغ العملية الديمقراطية من معناها الحقيقي”.
ويضيف العكيلي أن التصويت على أساس عشائري أو مناطقي “يُقصي الكفاءات الوطنية”، داعياً إلى “نشر الوعي الانتخابي وتحرير الناخب من سطوة العائلة والطائفة”.
سياق انتخابي محتدم
تأتي هذه التحليلات في وقت بدأت فيه الحملات الانتخابية البرلمانية العراقية رسميًا في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر، بمشاركة 7768 مرشحاً يتنافسون على 329 مقعداً في مجلس النواب.
وتستمر الحملات حتى الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وسط رقابة مشددة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي أكدت فرض غرامات تصل إلى عشرة ملايين دينار على المخالفين.
في بلد تتداخل فيه السياسة بالقبيلة، والمصلحة بالموروث الاجتماعي، يبدو أن طريق الدولة المدنية في العراق ما يزال محفوفاً بالولاءات القديمة التي تُعيد إنتاج نفسها مع كل دورة انتخابية جديدة.