أزمة التدريب في الجيش العراقي: ميدان الصراع بين المهنية والسياسة
بغداد – News Plus Iraq
يأتي الحديث عن واقع التدريب في الجيش العراقي في مرحلة دقيقة من التحولات الإقليمية، مع تراجع المظلة العسكرية الأمريكية واتساع الحاجة إلى الاعتماد الذاتي على المؤسسات الوطنية. وفي قلب هذا المشهد، يتحول ملف التدريب العسكري إلى مقياسٍ حقيقي لقدرة العراق على إدارة أمنه بمعزل عن الوصاية الخارجية، وسط تداخلٍ معقّد بين السياسة والميدان.
منذ عام 2003، أُعيد تشكيل الجيش في ظل إشراف أمريكي مباشر، رسم عقيدته وبنيته وتسليحه. لكن مع تقلص الوجود الأمريكي، برزت أزمة استقلال المنظومة التدريبية، نتيجة فراغ إداري مزمن داخل وزارة الدفاع، وتشبثٍ بالأساليب التقليدية التي جعلت من برامج التدريب مرآةً لهشاشة التنسيق بين القيادة العليا والمستوى الميداني.
مجلة Stars and Stripes العسكرية الأمريكية نشرت تقريرًا مطولًا كشفت فيه عن “إحباط واضح” لدى قادة عراقيين بسبب غياب دعم الوزارة للتدريب الواقعي. وقال العقيد عباس فاضل، قائد مدرسة بسماية، إن “المدرسة ستتحول إلى مدرسة تدريب مزيف في حال انسحاب المدربين الأمريكيين”، مشيراً إلى أن “العقول التقليدية في القيادة العليا ترفض الأساليب الحديثة”.
وأضاف التقرير أن “تأمين الذخيرة الحية بات صعباً دون تدخل أمريكي”، بينما أوضح العقيد الأمريكي هاردي غرين أن بعض القيادات العراقية “تفضل تخزين الذخيرة بدلاً من استخدامها في التدريب”. كما أشار إلى أن “تمويل الأهداف الحركية الرقمية في ميدان الرمي – الذي يكلف نحو 30 ألف دولار شهرياً – قد يتوقف بانسحاب الدعم الأمريكي”.
القضية، بحسب التقرير، لا تتعلق بالذخيرة فقط، بل بـ“غياب الاهتمام الحكومي ببرامج التدريب”، إذ يرى الأمريكيون أن الجيش العراقي بات مؤهلاً للاعتماد الذاتي، فيما يعتبر القادة العراقيون أن “الجاهزية لا تزال ناقصة”. ونقلت المجلة عن العقيد موفق ناصر قوله: “وجود مدربين أمريكيين اثنين فقط يمنحنا دعماً كبيراً، وأخشى أن نفقد كل شيء بانسحابهم”.
لكن ما بين سطور هذا الملف، تبرز المعضلة الأعمق: تسييس القرار العسكري. فوفقاً لمحللين، إن الأزمة لا تنحصر في نقص الموارد أو التمويل، بل في تغوّل القرار السياسي داخل المؤسسة العسكرية، حيث تُدار البرامج والمناهج والتعيينات وفق التوازنات الحزبية لا وفق الكفاءة.
ويؤكد خبراء عسكريون أن هذا التدخل أنتج ما يمكن وصفه بـ”الارتهان الداخلي”، إذ يُنظر إلى الجيش كأداة نفوذ لا كجهاز وطني مستقل. فالخشية من “جيش قوي” أصبحت لدى بعض القوى السياسية مبرراً لإضعافه، خشية أن يتحول إلى مركز ثقل وطني يهدد مصالحها.
وفي المحصلة، فإن ضعف التدريب لم يعد عارضاً تقنياً بل قراراً غير معلن يكرّس هشاشة المؤسسة العسكرية. والإصلاح الحقيقي، وفق المراقبين، لا يبدأ بشراء السلاح أو استقدام المدربين، بل بتحرير القرار الأمني من قبضة السياسة، وإعادة الاعتبار للضابط المهني باعتباره ركناً في بناء الدولة لا أداةً في لعبة النفوذ.