نيوز بلاس العراق

هيت.. عيون القار تتدفّق منذ آلاف السنين وتحفظ ذاكرة الحضارات

0

هيت — News Plus Iraq

من جوف أرض هيت على ضفاف الفرات، تتدفق عيون سوداء لزجة كأنها شظايا من زمنٍ سحيق؛ ينابيع القار المتقدة التي لم تنطفئ منذ آلاف السنين، وما تزال تفوح منها رائحة التاريخ والنار معاً، شاهدة على حضارات استخدمت القطران في البناء والدفن والعزل عبر القرون.

يؤكد باحثون جيولوجيون أن المدينة تضم ما بين خمس إلى ست عيون طبيعية تُقذف منها مادة القار الساخنة بدرجات حرارة قد تتجاوز 80 مئوية، ناتجة عن تسرب القطران من خزانات نفطية عميقة نحو السطح عبر شقوق أرضية. ويُصنَّف القار الهيتي كأحد أنقى الأنواع في الشرق الأوسط وكان يُستعمل في العصور السومرية والآشورية في تشييد الزقورات وتحنيط الموتى.

تاريخياً، عُرفت هيت في النصوص البابلية باسم “إيس” – أي القار – وكانت محطة تصدير رئيسية لهذه المادة إلى مدن الجنوب، حيث كانت تُنقل عبر القوافل النهرية، ومن هنا يُعتقد أن تسمية “ذي قار” ارتبطت بالأرض التي استُخدم فيها القار.

سكان المدينة يؤكدون أن هذه العيون لم تتوقف يوماً عن التدفق، ويتعاملون معها بوصفها جزءاً من هوية المكان وتاريخه الحي، إذ تُستخدم حتى اليوم في طلاء بعض القوارب التقليدية وسدّ شقوق البيوت الطينية.

خبراء بيئة وتراث يحذرون من أن الموقع يستحق حماية قانونية عاجلة، ويطالبون بإدراجه ضمن التراث الطبيعي، وتحويله إلى مقصد سياحي تعليمي، نظراً لقيمته الجيولوجية والتاريخية الفريدة، بوصفه شاهداً مادياً على بدايات الحضارة في وادي الرافدين.

في رأي الباحثين، تمثل هيت متحفاً مفتوحاً يجتمع فيه الماء والنفط والنار في مشهد واحد؛ مكان ما تزال الأرض فيه تتحدث بلغة الماضي، وتروي عيونها السوداء حكاية أول الطوب وأول معبد وأول مدينة عرفت معنى العزل بالنار قبل آلاف السنين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.