أمام اختبار خطير: خلية أزمة تلوّح في الأفق
بغداد – News Plus Iraq
تتسارع مؤشرات الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية، لتضع الاقتصاد العراقي أمام اختبار مالي هو الأخطر منذ عام 2021، في ظل اعتماد شبه كامل على الإيرادات النفطية التي تمثل أكثر من 90% من دخل الدولة.
سجّل خام البصرة الثقيل 59.59 دولارًا للبرميل، وخام البصرة المتوسط 60.74 دولارًا، وهو تراجع حاد يعيد إلى الواجهة تحذيرات سابقة من أن كل انخفاض بدولار واحد في سعر البرميل يعني خسارة تفوق مليار دولار سنويًا من الإيرادات العامة، ما يجعل الموازنة العراقية هشّة أمام أي اضطراب في الأسواق العالمية.
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي وصف الوضع الحالي بأنه يقترب من “السقوط الحر لأسعار النفط”، داعيًا إلى تشكيل خلية أزمة عاجلة و”تجميد البذخ الانتخابي” الذي وصفه بأنه “نزيف غير مبرر في لحظة حرجة ماليًا”. وقال المرسومي إن استمرار التراجع “قد يدفع الأسعار إلى حدود 50 دولارًا خلال الأسابيع المقبلة، ما يهدد بتضخم الدين الداخلي وتحول الأزمة إلى أزمة سيولة تضغط على الرواتب والاستثمارات”.
في السياق ذاته، يرى الباحث نبيل جبار التميمي أن تقلبات النفط في العراق “كانت ولا تزال انعكاسًا مباشرًا للسياسة أكثر من الاقتصاد”، موضحًا أن كل حرب أو أزمة داخلية انعكست أولاً على النفط، وأن البلاد لم تستفد من الطفرات السعرية في بناء اقتصاد منتج أو قاعدة تنويع حقيقية، بل توسع الإنفاق الحكومي دون رؤية استراتيجية.
أما الخبير المالي منار العبيدي، فاعتبر أن الانخفاض الحالي “ليس أزمة طارئة، بل اختبار لبنية الاقتصاد الريعي الذي ما زال بلا صندوق سيادي أو آلية تحوط ضد الأزمات”. وأضاف أن استمرار الوضع الراهن قد يدفع الحكومة إلى إجراءات مؤقتة مثل “مبادلة الديون بالأصول أو تأجيل الرواتب أو رفع الدعم”، وهي حلول قصيرة الأمد أكثر من كونها إصلاحات هيكلية.
تجارب دولية مشابهة، مثل فنزويلا والسعودية والإمارات، تقدم دروسًا متناقضة: فبينما انهار الاقتصاد الفنزويلي بعد تمويل العجز بطباعة العملة، نجحت الرياض وأبوظبي في تجاوز الأزمة عبر تنويع الاقتصاد وإنشاء صناديق سيادية. أما العراق، فيبقى عالقًا “في المنطقة الرمادية” — بلا مرونة مالية كالدول الغنية، ولا قاعدة إنتاجية كالدول الصناعية.
وتجمع التحليلات الاقتصادية على أن الهبوط الحالي في أسعار النفط ليس أزمة مالية مؤقتة، بل إنذار استراتيجي لاقتصاد لم يعد يحتمل التبعية الكاملة للريع النفطي. فالخطر لا يكمن في السعر وحده، بل في غياب الرؤية الاقتصادية طويلة المدى التي تربط النمو بالإنتاج لا بالاستهلاك.
ويبقى السؤال الأهم أمام صناع القرار في بغداد:
هل سيستمر العراق في التعامل مع النفط كموردٍ يُستهلك لتغطية نفقات الحاضر؟
أم سيحوّله إلى رافعة تنموية لبناء اقتصاد منتج ومستقبل مستقر؟
الإجابة على هذا السؤال — لا على حركة الأسعار — هي ما سيحدد ما إذا كانت الموازنة المقبلة بداية التعافي أم مقدمة لأزمة ممتدة.