نيوز بلاس العراق

عقوبات واشنطن إنذار اقتصادي وسياسي يهدد توازن بغداد

0

بغداد – News Plus Iraq

تتجاوز العقوبات الأميركية الأخيرة على شركات ومصارف عراقية مرتبطة بفصائل مسلحة حدودها القانونية إلى أخطر اختبار اقتصادي تواجهه بغداد منذ سنوات، وفقاً لقراءات متقاطعة لخبراء الاقتصاد والسياسة والأمن، الذين يحذرون من أن تداعياتها قد تمتد إلى قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المالية، بما في ذلك رواتب الموظفين.

العقوبات التي طالت شركة المهندس العامة، الذراع الاقتصادي للحشد الشعبي، وعدداً من المصرفيين والشركات المرتبطة بحسب واشنطن بالحرس الثوري الإيراني، وُصفت بأنها “رسالة تحذير قاسية” من واشنطن، دفعت بغداد إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية وسط تصاعد القلق من اهتزاز التوازن المالي للبلاد.

يرى أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن العقوبات الجديدة تمثل “إنذاراً حقيقياً للاقتصاد العراقي”، إذ لا تستهدف كيانات معزولة، بل تضرب في عمق المنظومة المالية والاستثمارية. ويقول السعدي إن العراق بات جزءاً من ساحة الصراع الأميركي – الإيراني دون أن يختار ذلك، مشيراً إلى أن العقوبات قد تؤدي إلى انكماش السيولة وارتفاع الطلب على الدولار وانخفاض قيمة الدينار، ما يهدد بتأخير تنفيذ المشاريع وصرف الموازنات. ويضيف أن “الخطر لا يكمن في الأسماء المعاقَبة بحد ذاتها، بل في الخلل البنيوي الذي كشفت عنه العقوبات داخل النظام المالي العراقي”.

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر البريطانية هيثم الهيتي، فيرى أن العقوبات تمس “أسس استقرار الدولة”، محذراً من تداعيات محتملة على استيراد الغاز الإيراني وما يترتب عليه من أزمة كهرباء، إضافة إلى انسحاب المستثمرين الأجانب نتيجة تعقيد التحويلات البنكية. ويؤكد أن استمرار العقوبات “قد يقود إلى عجز مالي يعوق الحكومة عن دفع الرواتب إذا لم تُتخذ خطوات سريعة لفك الارتباط المالي مع الجهات المسلحة”.

في البعد الأمني، يرى الخبير الإستراتيجي علاء النشوع أن العقوبات قد تشكّل “تمهيداً لإجراءات عسكرية دقيقة داخل العراق”، ما قد يخلق حالة من الرعب المجتمعي في حال توسع نطاقها. كما حذّر الخبير الأمني سرمد البياتي من “التشويش الداخلي” الذي قد تسببه هذه العقوبات، خصوصاً وأن بعض الكيانات المشمولة، مثل شركة المهندس، خاضعة أصلاً للرقابة المالية الرسمية، ما يطرح أسئلة حول دقة المعلومات الأميركية أو خلفياتها السياسية.

على الصعيد السياسي، يرى المحلل عائد الهلالي أن العقوبات تحمل “بُعداً سياسياً خطيراً” يهدف إلى تقويض السيادة العراقية، متوقعاً أن تتجه حكومة محمد شياع السوداني نحو حوار مباشر مع واشنطن لتخفيف آثارها وحماية الداخل من الانهيار المالي. ويشارك النائب عمران الكركوشي هذا القلق، معتبراً أن العقوبات تمثل “انتهاكاً للسيادة العراقية” وقد تؤدي إلى توتر داخلي إذا استمرت بهذا النهج الأحادي.

ولم يتوقف التصعيد عند حدود العقوبات الحالية، إذ لمح النائب الأميركي جو ويلسون إلى قائمة جديدة قادمة قد تشمل منظمة بدر وأمينها العام هادي العامري وحتى مصرف الرافدين الحكومي، ما يُنذر بموجة أشدّ من الضغوط الاقتصادية.

في المقابل، أعلنت الحكومة تشكيل لجنة وطنية عليا تضم وزارات المالية والبنك المركزي وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، مؤكدة أن القرار الأميركي “أحادي ومؤسف”، وداعية إلى تبادل المعلومات الفنية بدلاً من فرض العقوبات. وشددت الحكومة على أنها ترفض أي نشاط مالي خارج الإطار القانوني، لكنها ترفض كذلك أي وصاية خارجية أو تدخل في الشأن الداخلي العراقي.

بهذا، تبدو العقوبات الجديدة أكثر من مجرد أداة ضغط مالي؛ إنها اختبار سياسي واقتصادي لمدى قدرة بغداد على التحرر من اقتصاد الظل وإعادة تعريف علاقتها بواشنطن وطهران على حدّ سواء، اختبار قد يحدد ملامح المرحلة المقبلة للدولة العراقية بأكملها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.