نيوز بلاس العراق

النفوذ الناعم.. العراق في صراع التدخلات الخارجية 

0

بغداد – نيوز بلس عراق

منذ عام 2003، لم يغب العراق عن خارطة النفوذ الدولي والإقليمي، إذ تحوّل القرار السياسي في كثير من الأحيان إلى ميدان مساومات بين العواصم أكثر منه انعكاسًا لإرادة داخلية مستقلة.

غير أن السنوات الأخيرة تشير إلى تحوّل نوعي في شكل هذا النفوذ: تراجعٌ في الوجود العسكري المباشر، يقابله حضور سياسي واقتصادي أكثر هدوءًا وعمقًا.

المختص في الشؤون الاستراتيجية علي الجبوري قال في حديثٍ لـ”بغداد اليوم” إن “التراجع الحالي في التدخلات الخارجية لا يعني نهايتها، بل تحوّلها إلى أنماط أكثر نعومة وتعقيدًا”. ويأتي ذلك منسجمًا مع ما أشار إليه زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، الذي أكد أن حجم التدخلات في الشأن العراقي “تراجع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة”، في إشارة إلى مرحلة جديدة يتبدّل فيها النفوذ دون أن يختفي.

تحليلات معاهد دولية – من بينها FPRI وChatham House – تؤكد أن النفوذ الإيراني انتقل من الوجود العسكري الصريح إلى السيطرة عبر أدوات سياسية واقتصادية وإعلامية داخل العراق، في حين تحافظ واشنطن على حضورها عبر النفوذ المالي والدبلوماسي والتقني، خاصة في ملفات الطاقة والدينار والتحويلات المصرفية.

ويُظهر تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) أن الحكومة العراقية تبنّت منذ عام 2023 سياسة “الحياد المتوازن” لتجنّب الانحياز لأي محور، مع الحفاظ على شراكات أمنية محدودة مع واشنطن وتنسيق استخباري مع طهران.

أما النفوذ الخارجي في شكله الجديد، فيتحرك اليوم داخل قنوات السياسة والإعلام والاقتصاد. فبحسب المرصد العراقي لحرية التعبير (JFO)، فإن نحو 70 مؤسسة إعلامية عراقية تتلقى تمويلًا سياسيًا أو خارجيًا بدرجات متفاوتة، ما يجعلها جزءًا من شبكة تأثير غير مباشر. وفي الاقتصاد، تُظهر تقارير البنك الدولي أن أغلب مشاريع الطاقة والاتصالات في العراق تُنفذ بتمويل أو شراكة من شركات إقليمية ودولية، وهو ما يمنح القوى الخارجية منفذًا ناعمًا إلى القرار الاقتصادي.

الجبوري أوضح أن “النفوذ الخارجي لم يتلاشَ، بل أعاد تموضعه في مجالات الإعلام والاقتصاد”، مضيفًا أن “استقلال القرار العراقي ما يزال هشًا لأن أساسه قائم على تهدئة ظرفية لا على إصلاح بنيوي”.

ويخلص خبراء العلاقات الدولية إلى أن العراق يعيش اليوم مرحلة اختبار سيادي حقيقي:
فبعد أن انتهى زمن التدخل العسكري الصريح، دخلت البلاد مرحلة النفوذ السياسي والاقتصادي الناعم، حيث تُدار الصراعات عبر التحالفات والتمويل والإعلام لا عبر الميدان.

ويؤكد الجبوري أن “السنوات المقبلة ستكشف ما إذا كان هذا التراجع في التدخلات تحوّلًا استراتيجيًا طويل المدى، أم مجرد هدنة مؤقتة فرضتها التوازنات الإقليمية والدولية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.