نيوز بلاس العراق

بغداد و موسكو .. إعادة إحياء المفاعل النووي العراقي 

0

بغداد – نيوز بلس عراق

يمرّ العراق بمرحلة حساسة في إدارة ملف الطاقة، بعدما تحوّلت أزمة الكهرباء من عجزٍ خدماتي إلى أزمة هيكلية تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي، ما دفع الحكومة إلى البحث عن خيارات استراتيجية جديدة، أبرزها التعاون مع روسيا لتطوير مشروع للطاقة النووية السلمية.

ويرى مراقبون أن هذا المشروع يشكل تحوّلاً نوعياً في بنية قطاع الطاقة العراقي، لكنه في الوقت ذاته يثير أسئلة حول الكلفة، والشفافية، والعلاقة بين الطموح الوطني والالتزامات الدولية.

الخبير في شؤون الطاقة دريد عبد الله أكد أن “التعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية السلمية يمثل خطوة استراتيجية نحو الاكتفاء الطاقي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري”، مشيراً إلى أن الاتفاقات تشمل توليد الكهرباء وإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية والزراعية والصناعية، فضلاً عن تدريب الكوادر العراقية في المؤسسات البحثية الروسية.

ويشبّه عبد الله هذا التوجه بتجارب كوريا الجنوبية والهند، اللتين استفادتا من إدخال الطاقة النووية لتنويع مصادر الكهرباء وتعزيز التنمية الاقتصادية. ويقول إن “نقل التكنولوجيا النووية وتكوين كوادر وطنية مؤهلة هو الطريق نحو استقلالية حقيقية في إدارة الطاقة”.

سياسياً، يؤكد النائب عن الإطار التنسيقي مختار الموسوي أن “العراق لا يسعى إلى أي برنامج ذي طابع عسكري، بل إلى تطوير قدراته التقنية بالتعاون مع روسيا تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، مشدداً على أهمية التفاهم المسبق مع الولايات المتحدة لتفادي أي عقبات سياسية أو اقتصادية.

وتحذر قراءات قانونية من أن أي مشروع نووي في المنطقة يخضع لرقابة دولية مشددة، وأن نجاح التجربة الإماراتية في محطة “براكة” جاء نتيجة التزامها التام بالشفافية والتعاون متعدد الأطراف، لا الثنائي.

اقتصادياً، تُقدَّر كلفة إنشاء محطة نووية متوسطة الحجم بما بين 5 إلى 10 مليارات دولار، وهو ما يفرض – بحسب خبراء – ضرورة اعتماد حوكمة مالية صارمة ورقابة دقيقة لتجنب الهدر والفساد، مؤكدين أن العوائد طويلة الأمد قد تعوض الكلفة الأولية عبر استقرار الإمدادات وتقليل الاستيراد النفطي.

وتشير المقارنات التاريخية إلى أن إخفاق مشروع مفاعل تموز في ثمانينيات القرن الماضي لم يكن تقنياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، نتيجة غياب التوازن بين الطموح والالتزامات الدولية. لذا، يؤكد مراقبون أن نجاح المشروع الحالي يتوقف على إدارة مؤسسية شفافة، وضمان إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في المحصلة، يقف العراق اليوم أمام خيار تاريخي:
إما أن يُحوّل التعاون النووي مع روسيا إلى فرصة لبناء استقلال طاقي وتنمية مستدامة،
أو أن يقع في فخّ التعقيدات السياسية والاقتصادية التي قد تعيد إنتاج إخفاقات الماضي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.