استثمار واشنطن في العراق: من السيطرة المباشرة إلى الشراكات المشروطة
بغداد – نيوز بلس عراق
منذ عام 2003، شكّلت الولايات المتحدة أحد أبرز الفاعلين الاقتصاديين في العراق عبر بوابة الإعمار والطاقة. لكنّ حضورها الاستثماري، الذي قُدّر بعشرات المليارات من الدولارات، شهد تحوّلاً واضحاً من الانفتاح الواسع إلى الانكماش التدريجي، لصالح شركاء آسيويين، في مقدمتهم الصين.
تقارير البنك الدولي ووزارة الخارجية الأميركية تُظهر أن ما نُفّذ فعلياً من المشاريع الأميركية لا يتجاوز ثلث المعلن، في ظل بيئة استثمارية ما تزال “عالية المخاطر”، بفعل البيروقراطية والفساد وضعف الشفافية.
إكسون موبيل.. عودة حذرة إلى البصرة
تمثل شركة إكسون موبيل أبرز نموذج لتقلّب علاقة المستثمر الأميركي بالعراق. فبعد انسحابها عام 2023 من حقل غرب القرنة/1 وبيع حصتها البالغة 22.7% مقابل 350 مليون دولار، عادت الشركة في تشرين الأول 2025 للتفاوض على تطوير حقل مجنون ضمن اتفاق مبادئ جديد أكثر سخاءً.
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني رعى توقيع الاتفاق مع نائب رئيس الشركة بيتر لاردن، مؤكداً أن الخطوة “تمهّد لشراكة استراتيجية في تطوير قطاع النفط”. غير أن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي حذر من أن العودة “تثير تساؤلات حول طبيعة العقود الجديدة، وما إذا كانت تمثل استثماراً طويل الأمد أم صفقة مؤقتة لإعادة الأرباح”.
جنرال إلكتريك.. حضور مستمر رغم التعثر المالي
على خلاف إكسون، حافظت جنرال إلكتريك على وجود فعلي في قطاع الكهرباء، عبر مشاريع تتجاوز قيمتها 1.2 مليار دولار بين 2020 و2023، شملت محطات في البصرة والحلة وبازيان. إلا أن تعقيدات التمويل دفعت الشركة إلى إعادة التفاوض على الضمانات السيادية، في وقت ساهمت مؤسسات التمويل الدولية بتمويل مشاريع كهرباء بقيمة 2.5 مليار دولار منذ 2005.
القطاع المالي.. حضور محدود تحت الرقابة الأميركية
رغم الحديث عن دخول مصارف أميركية، ظل الوجود مقتصراً على مكاتب تمثيل محدودة مثل Citigroup، بسبب إجراءات الخزانة الأميركية المشددة منذ 2023 ضد مصارف عراقية متهمة بضعف الامتثال المالي. في المقابل، ضخّت مؤسسة التمويل الدولية (IFC) أكثر من 2.5 مليار دولار لدعم القطاع الخاص والمشاريع الزراعية والغذائية.
بيئة طاردة لرأس المال
يؤكد الاقتصادي نبيل المرسومي أن العراق ما يزال “بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي والمحلي” بفعل الفساد الإداري، وضعف المنافسة، وانتشار السلاح المنفلت، مبيناً أن كثيراً من العقود النفطية “تُستغل سياسياً أكثر من كونها مشاريع اقتصادية حقيقية”.
خلاصة المشهد
بعد عقدين من التقلبات، لم يختفِ الاستثمار الأميركي من العراق، لكنه تغيّر في الشكل والمضمون. ففي حين تركز واشنطن اليوم على الشراكات الانتقائية في النفط والكهرباء والتمويل، تبقى معادلة النجاح رهينة بقدرة الدولة العراقية على تطبيق الشفافية، وحماية المال العام، وخلق بيئة قانونية آمنة لرأس المال الأجنبي.