دمشق بعيون عراقية: بين شراكة أربيل السياسية وتنسيق بغداد الأمني
بغداد – نيوز بلس عراق
لم يعد المشهد السوري بمعزل عن القراءة العراقية، إذ باتت التحولات في شمال سوريا تُراقب من بغداد وأربيل كجزء من معادلة الأمن والاستقرار الإقليمي.
فاللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وما رافقه من اتفاق لوقف إطلاق النار، لا يُعدّ حدثًا داخليًا فحسب، بل خطوة لإعادة رسم العلاقة بين الدولة السورية والإدارة الذاتية في مرحلة تحاول فيها المنطقة استعادة توازنها بعد عقد من الفوضى.
من زاوية إقليم كردستان، يبرز الموقف أكثر وضوحًا وبراغماتية. إذ يؤكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني إدريس شعبان أن الإقليم يرى في التقارب السوري–الكردي “خطوة مهمة لتصحيح الأوضاع”، مشيرًا إلى أن الحل يكمن في الحوار مع دمشق لا في الصدام. ويضيف أن أي مسار يختاره كرد سوريا “يحظى بدعم أربيل، ما دام يضمن حقوقهم ضمن إطار وطني يحفظ الاستقرار ويجنب المنطقة أزمات جديدة”.
وتعبّر هذه الرؤية عن مقاربة سياسية ناضجة باتت تقوم على إدراك أن التسوية، لا الانفصال، هي الطريق الواقعي لضمان الحقوق. ويتعزز هذا الإدراك من خلال اللقاء الذي جمع مؤخرًا مظلوم عبدي بالزعيم الكردي مسعود بارزاني في أربيل، والذي حمل رسائل واضحة حول توحيد الموقف الكردي تجاه التطورات في سوريا، وفتح قنوات اتصال جديدة مع الحكومة المركزية في دمشق.
أما من منظور بغداد، فالتقارب السوري–الكردي يُقرأ بعيون أمنية أكثر منه سياسية. فالعراق يرى أن استقرار الجبهة الشرقية لسوريا هو شرطٌ لاستقرار حدوده الغربية، وأن أي فراغ أمني في دير الزور أو البوكمال سينعكس مباشرة على الداخل العراقي. وتؤكد أوساط أمنية أن لقاء الرئيس الشرع برئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري مثّل نقطة تحوّل في مسار التنسيق بين البلدين لمواجهة الإرهاب وشبكات التهريب العابرة للحدود.
بهذا، تتقاطع رؤيتا أربيل وبغداد في إدراكٍ مشترك بأن استقرار سوريا لم يعد شأنًا داخليًا، بل ضرورة استراتيجية للعراق. فالإقليم يراهن على الحوار السوري–الكردي لتثبيت الحقوق ومنع التفكك، فيما تتمسك بغداد بالتعاون الأمني مع دمشق لضمان استقرار الحدود.
في المحصلة، تبدو دمشق بعيون عراقية مزدوجة: شريك سياسي لأربيل، وسند أمني لبغداد. وبين هذين البُعدين، تمضي سوريا في طريق البحث عن مخرج سياسي وأمني يُعيدها إلى الخارطة الإقليمية من بوابة الحوار لا الصراع، بينما يدرك العراق أن أمنه واستقراره لن يكتمل إلا إذا استقرّ غربه السوري.