نيوز بلاس العراق

«العالم الجديد» تكشف خفايا عقد «فودافون».. شروط مجحفة وشبهات إذعان بملايين اليوروهات

0

موقع العالم الجديد:

خلف أبواب مغلقة، وبعيدا عن أعين الرأي العام، مضت وزارة الاتصالات في توقيع عقد حصري مع عملاق الاتصالات البريطاني “فودافون”، تجاوزت قيمته عشرات الملايين من اليوروهات، ما أثار أسئلة ثقيلة حول انعدام شفافيته، وتوافقه مع القوانين العراقية، وجدواه الاقتصادية، وغاياته السياسية.

العقد الذي تم ترويجه كمشروع لتأسيس “شركة وطنية” تنقل العراق إلى عصر الجيل الخامس، يكشف وراءه وفقا لمصادر مطلعة، التزامات مالية ضخمة و”شروط إذعان” غير مسبوقة، تضع الدولة أمام مخاطر اقتصادية وإشكالات قانونية، فضلا عن مخاوف من تحوله إلى أداة سياسية واقتصادية تُثقل كاهل الدولة وتثير جدلا جديدا في واحد من أكثر الملفات سخونة وإثارة للرأي العام، وسط انتقاد نيابي لعدم إطلاع لجنة الاتصالات على تفاصيل ما جرى.

تفاصيل مثيرة
وقالت مصادر مطلعة على ملابسات العقد، إن “وزارة الاتصالات تعاقدت مع شركة فودافون البريطانية بموجب عقد استشاري حصري لمدة ستة أشهر، بلغت كلفته 900 ألف دولار شهريا، وانتهى بنهاية حزيران يونيو الماضي، ما دفع الوزيرة هيام الياسري إلى رفع طلب لمجلس الوزراء بتجديد العقد، مع الشروط التي وضعتها شركة فودافون، حيث ووافق المجلس عليها بالكامل، وتم تجديد العقد بدءا من مطلع تموز يوليو الماضي”.

وأضافت المصادر، لـ”العالم الجديد”، أنه “بموجب هذه الشروط، فإنه لا يحق للوزارة التفاوض مع أي شركة منافسة، وهي مخالفة صريحة للقوانين العراقية”، مبينة أن “الشركة الوطنية الجديدة التي ستحمل اسم: الشركة الوطنية لخدمات الاتصالات والهاتف النقال، ستحصل على رخصة تشغيل لمدة 20 عاما، وأنها سوف تُموَّل من ثلاثة مساهمين هي: صندوق التقاعد، والمصرف العراقي للتجارة، وشركة السلام العامة (التابعة لوزارة الاتصالات)”.

وتابعت أن “الشركة التي تأتي لمنافسة الشركات الثلاثة العاملة في البلاد (زين، آسيا سيل، وكورك)، وطال انتظارها طويلا، ستوفر خدمات الجيل الثاني والرابع والخامس، ليكون الجيل الخامس حصريا لها لثلاث سنوات بدءا من تاريخ التشغيل التجاري في النصف الأول من عام 2026″، لافتة إلى أن “الشركة تُخطط لإجراء المكالمة الأولى في تشرين الثاني نوفمبر 2025، بالتزامن مع الحملات الانتخابية”.

وأكدت أنه “بحسب العقد، فإن فودافون فرضت التزامات مالية كبيرة على الجانب العراقي، منها، ضمان تمويل لمدة خمس سنوات، وتقاضي 10 ملايين يورو أو ثلاثة بالمائة من الإيرادات السنوية (أيهما أكبر) مقابل استخدام اسم فودافون التجاري بدءا من تموز يوليو 2025، بالإضافة إلى 30.3 مليون يورو مقابل خدمات إدارية على مدى 18 شهرا، رغم أن الشركة لم تبدأ نشاطها بعد”.

ولفتت إلى أن “العقد تضمن تمويل سبعة ملايين يورو لإنشاء منصات وتطبيقات، و2.5 مليوني يورو تدفع كل ستة أشهر مقابل سفر وحماية الخبراء، ويُقدر عددهم بـ40 خبيرا، حيث يقيمون في مدينة أربيل وبعض دول الجوار، على أن يزوروا بغداد عند الحاجة، إلى جانب نسبة 3.5 بالمائة من قيمة أوامر الشراء التي تُمنح لشركة VPC التابعة لفودافون، تدفع مقدما عند توقيع العقود”.

وبشأن الشروط الجزائية، فإن المصادر، أكدت أن لـ”فودافون الحق بإنهاء العقد إذا شعرت بخطر على سمعتها أو أمنها، وهي صياغة فضفاضة، في ظل تصنيف العراق من قبل عدة جهات دولية، بينها وزارة الخارجية الأمريكية والبنك الدولي، كبيئة عالية المخاطر للأعمال والاستثمار، يُضاف إلى ذلك أن شرط التنصت القانوني، وفق العقد، يخضع لمعايير حقوق الإنسان الأوروبية، وهو ما قد يقيّد السلطات العراقية في حال الضرورات الأمنية أو القضائية”.

ويعد ملف شركات الهواتف النقالة، من الملفات الشائكة والمثيرة للجدل، إذ أقدم رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، على تجديد رخص شركات الهاتف النقال في 8 تموز يوليو 2020، وسط شبهات فساد، حيث جرى التجديد لمدة خمس سنوات من دون أن توفي الشركات ما بذمتها من أموال لخزينة الدولة.

وقد سلطت “العالم الجديد” الضوء على تفاصيل هذا التجديد عبر سلسلة تقارير عديدة، ومن أبرز سلبيات قرار التجديد لهذه الشركات هو تمكينها (الشركات الرئيسية الثلاث) من السيطرة على كافة حزم الاتصال، أي احتكرتها بالكامل، وحصولها على حزم إضافية كان من المفترض أن تكون مخصصة لشركة اتصال رابعة، والتي كان من المفترض أن تذهب لشركة وطنية.

يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، -حيث كان نائبا في البرلمان-، أقام دعوى قضائية ضد تجديد عقود شركات الاتصال، وتمكن من كسبها، وإصدار أمر ولائي من المحكمة الاتحادية ببطلان عقود التجديد آنذاك، قبل أن تعاد المحاولة مرة أخرى، ويتم التجديد، ولكن مع توليه منصب رئيس الحكومة في 2022، ضمّن السوداني برنامجه الحكومي تأسيس شركة اتصالات وطنية.

مخالفة قانونية و«إذعان»
وبشأن قانونية العقود، يوضح الخبير القانوني جعفر إسماعيل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بنود العقد الموقع تتعارض مع عدة نصوص صريحة في قانون تنفيذ العقود الحكومية رقم 2 لسنة 2014، أبرزها المادة (3/أولا)، التي تشترط الالتزام بمبدأ المنافسة العادلة وتكافؤ الفرص، وهو ما يتنافى مع منح العقد بصيغة حصرية ومنع التفاوض مع أي منافس، فضلا عن مخالفته للمادة (6/ثانيا) التي تنص على أن تكون الالتزامات المالية مرتبطة ببدء النشاط وتقديم الخدمة، بينما فرض العقد التزامات مالية ضخمة تبلغ 10 ملايين يورو، و30.3 مليون يورو مصاريف إدارية، قبل التشغيل الفعلي”.

ويتابع إسماعيل، أن “المادة (10/أولا) تلزم بالصرف وفق الضوابط المالية والرقابية الرسمية، في حين تضمّن العقد بنود إنفاق مثل 2.5 مليون يورو للسفر والحماية كل ستة أشهر، دون مسوغ قانوني أو رقابة”، مشيرا إلى أن “المخالفة تكمن أيضا في المادة 15 التي تحظر تضارب المصالح والإحالة المباشرة لشركات مرتبطة بالمتعاقد، وهو ما يخالفه بند تخصيص 3.5 بالمائة من أوامر الشراء لشركة تابعة لفودافون”.

ويلفت إلى أن “العقد يعد من عقود الإذعان، وهو العقد الذي يقوم فيه الطرف القوي المحتكر أو المهيمن على خدمة أساسية، بفرض شروطه، على الطرف الأضعف الذي لا يملك إلا القبول أو الرفض، من دون مجال حقيقي للتفاوض، لكن القانون المدني العراقي (المادة 167) يعالج هذا النوع من العقود ويعطي للقضاء الحق بتعديل أو إلغاء الشروط المجحفة”.

وتعد خدمات الاتصالات والإنترنت في العراق من الأسوأ في بلدان المنطقة والأعلى تكلفة أيضا، فبطاقات التعبئة أسعارها مرتفعة مقارنة بالخدمات المقدمة، إذ أن البطاقة الواحدة تستخدم لإجراء المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وتبلغ أقل قيمة لها خمسة دولارات، وتحتسب المكالمة فيها بالدقائق وليس بالثواني.

كما يعاني المواطن من ضعف جودة الاتصالات داخل المدن، بالإضافة إلى عدم وصول أغلب الرسائل النصية، ما يحتم عليه تكرار إرسالها ودفع أجرة جديدة لقاء ذلك.

خطورة التحكيم الدولي
بدوره، يكشف مستشار في مجلس النواب، رفض الكشف عن اسمه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العقود اعتمدت التحكيم الدولي، وهو مسار لا يمكن للعراق مواجهته بشكل كامل في حال حصول خلاف، خاصة وأن وزارة الاتصالات خسرت سابقا دعاوى قضائية بـ250 مليون دولارا، بسبب التحكيم الدولي”.

ولم تكشف الحكومة العراقية حتى الآن عن أي تفاصيل تتعلق بالعقد المبرم مع “فودافون”، سواء أمام الرأي العام أو عبر إحاطة أعضاء مجلس النواب بالوثائق الرسمية.

وتُعد تقنية الجيل الخامس (5G) أحدث مراحل تطور شبكات الاتصالات، إذ لا تقتصر أهميتها على زيادة سرعة الإنترنت فقط، بل توفر أيضا استقرارا أعلى في الاتصال وزمن استجابة منخفض جدا، ما يجعلها أساسا لتشغيل تطبيقات معقدة.

نقد نيابي
إلى ذلك، يؤكد عضو لجنة الإعلام والاتصالات النيابية كاروان علي ياروس، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما جرى بشأن توقيع عقد جديد في قطاع الاتصالات يمثل مخالفة واضحة للإجراءات الدستورية والرقابية، إذ أن هيئة الإعلام والاتصالات (المعنية بمنح الرخص) مستقلة لكنها خاضعة لرقابة البرلمان”.

ويوضح ياروس: “نحن كجهة رقابية وفق النظام الداخلي والدستور نراقب عمل وزارة الاتصالات، لكن للأسف لم تصلنا أي تفاصيل حول العقد الجديد، رغم أنه ملف وطني مهم”، مشيرا إلى أن “مخالفات عدة سجلت على العقد، الذي تم بشكل مفاجئ، وهو إجراء يثير تساؤلات حول شفافية العملية، ويطرح مخاوف من أن تذهب موارد العراق إلى خارج البلد، بدلا من أن تستثمر داخليا”.

ويستطرد أن “الحكومة تتحمل مسؤولية هذا العقد الذي لم يسبق بمعلومات أو توضيحات رسمية، ومشكلتنا ليست إذا كانت الشركة جيدة أو غير جيدة، بل مشكلتنا أن الأمر يخص مؤسسات عراقية، وكان يجب أن يتم عبر منافسة علنية تتيح لشركات أخرى التقدم، وربما تقديم خدمات أفضل وبأسعار أقل”.

وعلى مستوى العالم، دخلت تقنية الجيل الخامس حيز الاستخدام الفعلي في العديد من الدول المتقدمة، حيث كانت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة والصين من أوائل من أطلق الخدمة على نطاق واسع منذ عام 2019، كما توسعت دول أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا في تشغيلها، فيما اعتمدتها دول خليجية مثل الإمارات والسعودية ضمن خطط التحول الرقمي والاقتصاد الذكي.

ولم يتسن لـ”العالم الجديد” الحصول على رد من قبل وزارة الاتصالات أو مجلس الوزراء، لكنها تمنح الجهات والشخصيات الواردة في التقرير، حق الرد والتعليق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.